التعليم في السودان يئن من الإهمال وتردي الوضع الاقتصادي

التعليم أولًا "3"

التعليم في السودان يئن من الإهمال وتردي الوضع الاقتصادي

مثل كثير من البلدان العربية أصبح وضع التعليم في السودان، فشتان بين ماضي السودان وحاضره التعليمي، ولعلماء التاريخ في ذلك مؤلفات أثبتت اعتماد التعليم في السودان على ما يُعرف بـ"الخلاوي"، والتي يتم فيها تدريس القرآن وعلومه، كما عثر على نقوش تعود لعام 750 قبل الميلاد في شمال السودان، وهذا يعني أن السودانيين عرفوا الكتابة منذ سنوات طويلة واهتموا بالتعليم.

وفي السنوات الأخيرة، تداول المهتمون بالشأن التعليمي دراسات عدة تؤكد أن التعليم في السودان يمر بانهيار غير مسبوق، وأرجعوا السبب إلى تغيير السلّم التعليمي، والوضع الاقتصادي والأمني.

الواقع التعليمي الراهن يكشف عن مدارس متهالكة في قلب الخرطوم، وفصول في العراء في الكثير من القرى والمناطق الريفية، ومعدلات تسرب تصل إلى 20%، وجامعات تفتقد أبسط المقومات، وتراجع صاروخي في التصنيف العالمي، وأوضاع معيشية بالغة السوء للمعلمين وأساتذة الجامعات.

وفقا لإحصاءات مستقلة، فإن 60% من المدارس الحكومية "لا تصلح لوجود الطلاب فيها، بسبب قدم مبانيها وإهمال صيانتها"، كذلك فإن الطلاب يعانون من نقص الكتب المدرسية والمعامل والمرافق العلمية والرياضية. 

ويشكل الفقر أحد أهم المعضلات التي تواجه التعليم في السودان، إذ حذرت منظمتا الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" و"رعاية الطفولة"، من "كارثة جيلية" في السودان.

ووفقًا لتقارير أممية، "نحو 7 ملايين، أي 33% من إجمالي أطفال البلاد، لم يلتحقوا بالمدارس ولم يحصلوا على فرصتهم في التعليم"، ولا يتم تطبيق شعار (مجانية التعليم العام)، بحسب ما تنص عليه قوانين ودساتير البلاد".

والتعليم العالي ليس بأفضل حال، فوفقًا لتقارير متخصصة، خلال العقود الثلاثة الأخيرة تعرض السودان لهزة عنيفة عزاها مختصون إلى "إقحام البعد الأيديولوجي في المناهج والمقررات، وتبعات الحروب الأهلية التي عاشتها البلاد، وضعف الإنفاق الحكومي الذي وصل إلى نحو 1.3% سنويا من ميزانية الدولة.

وبعد ثورة ديسمبر، قام وزير المالية في حكومة عبدالله حمدوك الأولى، إبراهيم البدوي، في ظل الأزمات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني بزيادة أجور موظفي الدولة ومنهم المعلمون وأساتذة الجامعات بنسبة 500 في المئة بحسب السلم الوظيفي، ما أحدث عجزاً في الميزانية العامة نسبة لزيادة الاستهلاك وتدني الإنتاج، كما أدى ذلك إلى زيادة نسبة التضخم نسبة لطباعة كميات كبيرة من الجنيه السوداني. 

وبعد خمسة أشهر على قرارات رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان التي فرضها في 25 أكتوبر 2021، أصدر قراراً بحل مجالس إدارات الجامعات الحكومية وأقال 30 من مديريها.

وصف متابعون ذلك القرار بأنه تغول على استقلالية الجامعات، وهروب من الالتزام بالمسؤولية إزاء الهيكل الراتبي لأساتذة الجامعات، خصوصاً أن "الاتحاد المهني لأساتذة الجامعات" كان قد قرر إضرابات عن العمل توقفت على إثره الدراسة الجامعية لأشهر احتجاجاً على رفض وزارة المالية اعتماد قرار كان قد أصدره رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك، وكان من المفترض أن يتم بموجبه إجراء تعديلات في الهيكل الراتبي لتحسين أوضاع أساتذة الجامعات. 

ووفقًا لخبراء ومحللين، تكمن مشكلات التعليم العالي والبحث العلمي في الجامعات السودانية الحكومية والخاصة في ازدياد الرسوم الدراسية بنسبة تجاوزت 200%، خصوصاً في الكليات التطبيقية وفي مقدمتها العلوم الطبية والهندسية في الجامعات بالعاصمة الخرطوم، إذ تتراوح الرسوم الدراسية الجديدة حسب الزيادة نحو ألف دولار في الجامعات الحكومية للقبول الخاص والجامعات الخاصة، وفي الكليات النظرية أقل من ذلك.

"جسور بوست" تناقش أزمة التعليم في السودان وتأثرها بالوضع الاقتصادي والأمني.

إحدى المدارس الحكومية

احتجاجات وإغلاق للمدارس

بعد إضراب معلمي المدارس في أقاليم عدة في السودان بسبب ضعف رواتبهم، وتنفيذ إغلاق شامل للمدارس الحكومية، وهو الإغلاق الثالث خلال شهر واحد، سيّر طلاب جامعات -على رأسها جامعتا الخرطوم والسودان للعلوم والتكنولوجيا- مواكب إلى وزارة التعليم العالي احتجاجاً على زيادة الرسوم الدراسية التي فُرضت وطبقت أخيراً.

ووفقًا لتقارير صحفية، وصف الطلاب الرسوم الجامعية بـ"التعجيزية" وأنها تأتي تمهيداً لخصخصة الجامعات الحكومية، رافعين شعارات منها "لا لتسليع التعليم" و"نعم لمجانية التعليم للجميع". 

وفي العام الماضي وعلى إثر هذه الاحتجاجات، أعلنت جامعة السودان تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى.

كانت أزمة الرسوم الدراسية قد تصاعدت في جامعات عدة، من ضمنها جامعة الخرطوم (أعرق جامعة سودانية)، ودخلت الجامعات السودانية في إضرابات خلال العام الماضي. 

وبسبب الأزمات الاقتصادية المتراكمة التي تحيط بالمواطنين السودانيين في قطاعات عدة، وجد المنتمون إلى قطاعي التعليم العام والعالي أنفسهم في خضم هذه الأزمات ولم يكن أمامهم حل سوى استخدام سلاح الاعتصام الذي بدؤوا به أولاً، ثم تطور إلى الإضراب عن العمل، وتسيير الاحتجاجات من قبل الطلاب بعد أن فقدوا أي أمل في استجابة الجهات المعنية. 

ووفقًا للتقارير ذاتها، نوهت إلى ذلك الجامعات بأن ألقت بالكرة في ملعب السلطات المسؤولة التي لم تترك لها خياراً إزاء نكوصها عن "تمويل متطلبات العملية التعليمية وتطبيق شعار مجانية التعليم كاملة"، غير فرض رسوم دراسية تدعم متطلبات التعليم العالي. 

إحدى المدارس الخاصة

وضع متدهور

وصف الخبير التربوي، رئيس المنظمة السودانية للتعليم والتنمية، الدكتور عبدالرحمن الهادي أحمد، حالة التعليم في السودان بـ"المتدهورة"، مشيرا إلى تفاقم الأزمة بعد الاشتباكات الأخيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مؤكدًا أن الوضع الأمني أثر بشكل كبير على سير العملية التعليمية في هدوء واستقرار مسببًا شللاً في حركة وانتشار التعليم، وشدد على ضرورة إبعاد كل الأنشطة السياسية عن المدارس وعن التعليم العام بصورة عامة وأن تكون المدارس والفصول لتلقي التعليم فقط، داعيا الدولة السودانية إلى سن قوانين مغلظة العقوبة تجرم أي مسلك سياسي داخل المدارس ورياض الأطفال.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن السودان يُدَمر بفعل فاعل بهدم قطاع التعليم به، وبالطبع الوضع الاقتصادي ليس في السودان فحسب وإنما في العالم أجمع، أثر تأثيرًا كبيرًا على كل القطاعات، حيث تسبب ذلك في أن السودان معرض لفقد كوادره المدرسية بسبب الوضع الاقتصادي، وسيدفع ثمن ذلك المدرسون السودانيون بالهجرة خارج الوطن. 

الدكتور عبدالرحمن الهادي أحمد

وأتم: الأجيال الناشئة من السودانيين لا ذنب لهم في الفشل الذي صاحب النخب السياسية السودانية منذ تفجر ثورة ديسمبر المجيدة وحتى الآن، ومن حقهم أن يتلقوا تعليمهم الأولي بكل أريحية كما تلقته الأجيال التي قبلهم، مشيرًا إلى أن منظر المدارس الحكومية وهي خالية من الطلاب منظر بائس ويحز في كل النفوس وليس له أي علاقة بتحقيق أي أهداف سياسية وطنية.

مطالب عادلة

بدوره، علّق المعلم السوداني، عبدالله الأمين الكبك، بقوله، إن التعليم إحدى القضايا الحيوية في السودان، ورغم ذلك تعاني مدارس السودان من مشكلات هيكلية وتحتية، حيث تفتقر إلى مرافق ومعدات تعليمية كافية، فالفصول مزدحمة وتفتقر إلى الكتب المدرسية والمواد التعليمية اللازمة، وتكمن مشكلة أخرى في نقص المعلمين المؤهلين والمدربين بشكل مناسب، ما يؤثر على جودة التعليم وقدرة الطلاب على تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه نرى أمام أعيننا ونعيشه من خلال أولادنا أن تكاليف التعليم أصبحت مرعبة ولا نقدر عليها، والعديد من الطلاب يصعب عليهم الوصول إلى التعليم العالي بسبب التكاليف المرتفعة، فالرسوم الدراسية المرتفعة وتكاليف المعيشة تشكل عائقًا أمام الطلاب، ويشعرون بالحاجة إلى مزيد من الدعم من الحكومة والمجتمع لتحسين جودة التعليم وتوفير فرص متساوية للجميع.

وأضاف الكبك في تصريحات لـ"جسور بوست": هذا الحديث فرصة للتعبير عن قلقنا إزاء الجودة العامة وقلة الفرص المتاحة، والمطالبة بضرورة توفير تدريب المعلمين وتعزيز الموارد التعليمية لتحسين جودة التعليم، كما يدعو البعض إلى ضرورة إصلاح نظام الرسوم الدراسية وتوفير فرص متساوية للوصول إلى التعليم العالي، أيضًا يجب على الحكومة العمل على تخصيص المزيد من الموارد لتطوير البنية التحتية التعليمية، وتعزيز تدريب المعلمين وتأهيلهم بشكل مناسب، وتقديم فرص تعليمية متساوية لجميع الطلاب في البلاد.

وأتم: يجب أن تكون هناك جهود مشتركة من قبل الحكومة والمجتمع والمؤسسات التعليمية، لتحقيق تحسين مستدام في وضع التعليم وتلبية احتياجات الطلاب وتطلعاتهم.

التعليم ليس للجميع

وقال الطالب بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، عبدالرحمن محمد الطاهر، إن المنظومة التعليمية لدينا أصبحت صعبة جدا من ناحية التعليم والتكاليف الدراسية، خاصة بعد تأثر البلاد بأزمات عالمية، أساعد نفسي ووالدي واضطر للعمل بجوار التعليم في الدراسة والإجازة لتوفير المصاريف، ورغم ذلك فالتعليم ليس للجميع، الأسعار زادت 200 بالمئة، والرواتب ضئيلة.. فمن يستطيع الدفع؟

وأضاف الطاهر في تصريحات لـ"جسور بوست": منذ أعوام انتشرت المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة، وجاء ذلك على حساب التعليم الحكومي؛ فالمدارس الحكومية أغلبها مهدمة وكانت الغالبية تلجأ إلى الخاصة، مع ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الأهالي أصبحوا ينقلون أبناءهم مرة أخرى للمدارس الحكومية، وهذا يؤثر بالطبع على نفسيتهم ومستواهم الدراسي.

وأتم: في الجامعات زادت المصاريف والكتب بنسب كبيرة لا نستطيع تحملها، ولا ندري ما الذي توفره الجامعة أو الحكومة لنا، التعليم في خطر ونحن كطلاب في خطر، ولذا حلمي الخروج إلى دولة أخرى.
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية